هل صحيح أنَّ الحجاب أو النقاب هو فرض فرضه الله عزَّ وجلّْ على المرأة؟

Raed's picture
Author: Raed / Date: Fri, 01/29/2016 - 00:16 /

 

هل صحيح أنَّ الحجاب أو النقاب هو فرض فرضهُ الله عزَّ وجلّْ على المرأة؟
وما هو مفهوم الخمار والحجاب والجلباب والزينة في القرءان الكريم؟

 

1. يقولون بأن الحجاب فرض من الله عز وجل فرضه على المرأة، وأنَّ الله أمر المرأة بارتدائه لتغطية شعر رأسها ورقبتها لأن شعر رأس المرأة ورقبتها عورتين. بالله عليكم أخبروني أين أمر الله تعالى المرأة بحجب شعر رأسها في القرءان الكريم؟ وأين توجد أصلاً آية حجاب للرأس أو آية خمار لتغطية الشعر في القرءان الكريم؟

إنَّ مفهوم الحجاب بالمفهوم الشائع أتى بسبب تحريف أئِمَّة الكفر والسلف الطالح لآيات في سورة النور وسورة الأحزاب. ونحن إذا قرأنا تلك الآيات البينات، لا نجد لها أية صلة بحجاب المرأة بالمفهوم الشائع أو بتغطية شعرها ورقبتها.

 

2. ما معنى الخمار والجيوب وما هو مفهوهم؟

سُوۡرَةُ النُّور آية 30 و31:

سُوۡرَةُ النُّور ​
قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡ‌ۚ ذَالِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ (٣٠) وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَا‌ۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِہِنَّ‌ۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآٮِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآٮِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَانِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ إِخۡوَانِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ أَخَوَاتِهِنَّ أَوۡ نِسَآٮِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِى ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَاتِ ٱلنِّسَآءِ‌ۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ‌ۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (٣١).

لقد بدأ الله سبحانه وتعالى بالتحدث مع المؤمنين أولاً، فطلب منهم في آية 30 بأن "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، "ذلك أزكى لهم". وبعدها طلب تعالى من المؤمنات في آية 31 تمامًا كما طلب من المؤمنين بأن "يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" مع فارق وحيد وهو أن "لا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها، وأن يَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيوبِهِنَّ".

الخمار في اللغة العربية يعني الستار أو الغطاء، والجيوب في اللغة العربية تعني القلب والصدر. هذا يوصِلنا إلى مفهوم واحد لا ثانِيَ لهُ لقول الله عز وجل "وليضرِبنَ بخُمُرِهِنَّ على جيوبِهِنَّ"، الّذي حُرِّفَ عن سبق إصرار وترصد بهدف قمع المرأة وابتزازها من خلال تغيير دين الله (أي حُكمِهِ) بحجة أنَّ الله (حاشاه) هو الّذي أمر بهذا الدين.

إنَّ "الجيوب" لا تعني الرأس ولا الشعر ولا الرقبة، لأنَّها وبكل بساطة وكما ذكرتُ لكم لها معنىً واحدًا لُغوِيًّا لا ثانِيَ له، ألا وهو القلب والصدر. إنَّ كل إنسان فينا قد تعلَّمَ كلمة جيوب في المدرسة وهو في الصف الإعدادي، واعذروني إذا قُلتُ لكم بأنّي أعجب كثيرًا من كل إنسان دخل المدرسة وتعلَّمَ، كيف لم يستطع أن يرى هذا الخطئ الّلغوي الفادح والمُخجل في معنى كلمة جيوب، وكيف استطاع أن يُصدِّق أنَّ كلمة جيوب في الّلغة العربية تعني شعر الرأس والرقبة. وأعجب كثيرًا من الّذين يُسمون أنفسهم علماء وفقهاء الأمة الإسلامية والدارسين والباحثين والضليعين في الّلغة العربية بمرتبة الدكتوراة، كيف فسَّروا لُغويًّا كلمة "الجيوب" وأعطوها معنى "الشعر الّذي على رأس المرأة"، ألا يستحون من أنفسهم ومن شهاداتهم الّتي أخذوها بمرتبة الشرف في الّلغة العربية؟ وأنا أقول لهم أمرين: إمّا أنهم يجهلون الّلغة العربية ولا يفقهون ولا حتّى كلمة واحدةً منها، أو أنهم على علم ودراية تامة بمعنى كلمة "جيوب" ولكنهم غيّروا معناها عن سبق إصرار وترصُّد بهدف إذلال المرأة للسيطرة على عقلها ونفسها أولاً، والسيطرة على جسدها ثانيًا وأخيرًا.

إذا نظرنا في المعنى الحقيقي الّلغوي لكلمة جيوب، نجد بأنَّ الله تعالى يطلب من المؤمنات أن يسترن أو يغطين منطقة الصدر والقلب ولم يطلب من المؤمين ذلك، لماذا؟ الجواب هو وبكل بساطة، لأن الرجال ليس لديهم صدور مثل صدور النساء بحاجة إلى تغطية.

أما بالنسبة للشعر، فمن الّذي أذن لهم وأعطاهم الحق أن يحرفوا في آيات الله على هواهم ويقولوا بأن شعر رأس المرأة عورة؟ في أية آية ذكر الله تعالى شعر المرأة أو رقبتها في القرءان الكريم؟ وكيف يحرفون في المعنى اللغوي لكلمة جيوب ولكلمة حجاب ولكلمة جلباب والله تعالى أنزله قرءانًا عربيًا مفصلاً؟ وإذا كان شعر رأس المرأة عورة لكان أخبرنا الله تعالى بذلك في القرءان. وهل شعر رأس المرأة يختلف في الخلق عن شعر رأس الرجل لكي يأمر الله تعالى وفقط المرأة وليس الرجل أن تحجب شعرها وتٌغطّيه وتستُره؟

 

3. ما هي زينة المرأة؟

لقد طلب الله تعالى من المؤمنات في آية 31 من سورة النور أن "لا يبدين زينتهن إلاٌ ما ظهر منها". في هذه الآية لم يُحدِّد الله تعالى لنا ما هي زينة المرأة، مِمّا يدلنا على أنَّ الزينة المذكورة في هذه الآية لها مفهوم عام وشامِل، وهي بالتأكيد ليست جسد المرأة كما يقولون في كُتب الأحاديث والتفاسير والفقه الباطلة، بل هي الزينة الّتي تستخدمها المرأة لتتحلّى أو لتتجمّل بها. والدليل على أنَّ الزينة في هذه الآية ليس المقصود بها جسد المرأة نجده في قول الله تعالى في آية 31 من سورة النور: "وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآٮِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآٮِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَانِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ إِخۡوَانِهِنَّ أَوۡ بَنِىٓ أَخَوَاتِهِنَّ أَوۡ نِسَآٮِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِى ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَاتِ ٱلنِّسَآءِ‌ۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ‌ۚ..."، فإذا كانت زينة المرأة كما يقول المُبطلون الكاذبون في تفاسيرهم هي جسدها، فهذا يعني أنّنا إذا أردنا أن نُطبِّق هذه الآية، فعلينا إذاً أن نُعطي المرأة الحق بأن تُبدي جسدها لبعلها ولأبنائِها ولأبناء بعلها ولإخوانها ولبني إخوانها ولبني أخواتها ولِنسائِها ولما ملكت يمينها وللتابعين غير أولي الإربة من الرِّجال وللطفل الّذين لم يظهروا على عورات النساء. ما رأيكم بهذا الكلام؟ هل تقبلون على زوجاتكم وأمهاتكم وأخواتكم وبناتكم بأن يُظهِرن أجسادهُنَّ (زينتهُنَّ) لجميع هؤلآء الناس الّذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية البيِّنة؟

إن إظهار زينة المرأة هو كناية عن إظهار مفاتنها. فالمرأة لا يجب عليها أن تتزين بغاية إظهار مفاتنها، بواسطة اللباس الفاضح مثلاً، أو بواسطة الماكياج، أو بواسطة عمليات التجميل، أو بواسطة افتعال طريقة المشي أو الجلوس أو الكلام "كالضرب بالأرجل" مثلاً، بهدف إظهار أنوثتها ومفاتنها عن قصد وعن عمد. وإذا أرادت المرأة أن تبدي زينتها فلا تكون الزينة إلاّ ما ظهر منها، أي لا تكون الزينة إلاّ بالشكل الطبيعي العفوي أو باللباس الطبيعي العفوي أو بالماكياج الخفيف. وإنَّ قول الله تعالى "إلاّ ما ظهر منها" يعني وبشكل عام، من دون المُبالغة في إظهار جمالها وأنوثتها، أي من دون غاية أو قصد إظهار جمالها وأنوثتها بالمعنى المادي والمعنوي. ولذلك أخبرنا الله تعالى أنَّ المرأة تستطيع أن تتبرَّج ولكن هذا التبرج لا يكون تبرج الجاهلية الأولى، أي هذا التبرج لا يكون بهدف الزينة أي بهدف إظهار مفاتنها، كما أخبرنا الله تعالى في الآيات التالية من سورتَيْ الأحزاب والنور.

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
وَقَرۡنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّڪَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ  إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنڪُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرًا (٣٣).

سُوۡرَةُ النُّور
وَٱلۡقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا يَرۡجُونَ نِكَاحًا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِينَةٍ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٌ لَّهُنَّ‌ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠). 

إذًا فالزينة هي ما تتزين به المرأة من حُلِيّ ولباس وغيرها. والمفهوم هنا أنَّ الله تعالى طلب من المؤمنات أن يلبسن ثيابًا بِطريقة معقولة أي باحترام و أن لا يتبرَّجنَ بزينة، يعني أن لا يتبرّجن تبرج الجاهلية الأولى بطريقة اللباس الفاضح والمكياج الكثير على الوجه وبارتداء الحُلِيّ بشكل فاضح كما كُنَّ يفعلنَ قبل نزول القرءان، لكي لا يُثِرْنَ الإنتباه. وإذا تدبرنا جيدًا هذه الآية الكريمة (آية 31) من سورة النور، نجد بأن "لا يبدين زينتهن إلّا ما ظهر منها" أتت قبل "وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، وهذا دليل آخر على أن طريقة اللباس لتغطية صدر المرأة هو جزء من زينة المرأة والمقصود به عدم إظهار مفاتنها، لأننا كما نعلم فإن كثيرًا من النساء يحاولن أن يلفتن الأنظار إليهِنَّ من خلال إظهار صدورهن بطريقة اللباس الفاضح، وهذه كانت طريقة من طُرُق التبرُّج في الجاهلية الأولى في زمن الرسول محمد عليه السلام قبل نزول القرءان وبعد نزولِهِ وما زالت حتّى زمننا هذا.

 

4. ما هو معنى ومفهوم "يغضوا من أبصارهم" "ويحفظوا فروجهم" "ذلك أزكى لهم"؟

سُوۡرَةُ النُّور ​
قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡ‌ۚ ذَالِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ (٣٠) وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ... وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (٣١).

إنَّ "غض البصر" بالنسبة للرجل المؤمن في آية 30 ليس المقصود به عدم نظر الرجل إلى المرأة أو إلى وجهها أو عدم التحدث معها، ولكن المقصود به هو أن ينظر الرجل إلى المرأة بكل احترام وتقدير وأن يتحدَّث معها، ولكن من دون أي هوى أو مصلحة أو نيَّة سيِّئة في نفسِهِ. فالسؤال الّذي نستطيع أن نطرحه في هذا الأمر هو: ما هي نظرة الرجُل إلى المرأة؟ أي كيف ينظر الرجل إلى المرأة؟ والبصر لا يكون بالعين ولكن بالعقل والقلب أي بالنفس، فإمّا أن تكون النفس زكية، وإمّا تكون النفس غير زكية. ولذلك أكمل الله تعالى بقوله: "ذالك أزكى لهم إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون". وإنَّ "غض البصر" هو ليس فقط واجب من الله تعالى على الرجل المؤمن، ولكنه واجب أيضًا على المرأة المؤمنة، كما قال تعالى في آية 31. 

وإنَّ "حِفظ الفروج" (للرجل المؤمن وللمرأة المؤمنة) ليس المقصود به تغطية الفروج (الأعضاء التناسلية) بالثياب، ولكن المقصود به أن يحفظ الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة شهواتهم الجنسية، وهذا يعني أن لا يرتكبوا الفواحش والبغاء مع بعضهم البعض، أي أن لا يُقيموا أو يُمارسوا العلاقات الجنسية مع بعضهم البعض ويُبيحوها بجميع أشكالها وأنواعها من دون قانون الله عز وجل الّذي وضعه وأحلَّهُ لنا في كتابِهِ الكريم، الّذي هو قانون النكاح (الزواج)، بهدف إحصان الرجل للمرأة في سبيل المودة والرحمة والمعروف، وبهدف التناسل في سبيل إخراج ذرِّية صالحة للمجتمع. بمعنى أصح، إنَّ "حفظ الفروج" يعني أن لا يُسافِح الرجال مع النساء وأن لا يتَّخذوا منهُنَّ أخدان (عشيقات)، والعكس أيضًا صحيح وهو أن لا تُسافِح النساء مع الرجال وأن لا يتّخذن منهم أخدان.

هذا ما بيَّنه الله عز وجل لنا في سورة النساء والمائِدة والنور والبقرة:

سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُڪُمۡ‌ۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ‌ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَالِڪُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَالِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَـٰفِحِينَ‌ۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡہُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَاضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤) وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنڪِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ‌ۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَـٰنِكُم‌ۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَيۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخۡدَانٍ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيۡہِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ‌ۚ ذَالِكَ لِمَنۡ خَشِىَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡ‌ۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٌ لَّكُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٥).

سُوۡرَةُ المَائدة
ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ‌ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلٌّ لَّهُمۡ‌ۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَـٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخۡدَانٍ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى ٱلۡأَخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِينَ (٥).

سُوۡرَةُ النُّور
وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَہُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ‌ۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيہِمۡ خَيۡرًا‌ۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ ءَاتَٮٰكُمۡ‌ۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنًا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا‌ۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣٣).

سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَڪۡنَنتُمۡ فِىٓ أَنفُسِكُمۡ‌ۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلاً مَّعۡرُوفًا وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّڪَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَـٰبُ أَجَلَهُ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُ‌ۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥).

وإنَّ قول الله عز وجل في آخر آية 31 في سورة النور: "وتوبوا إلى الله جميعًا أيُّهَ المؤمنون لعلَّكم تُفلِحون"، هو أكبر دليل على ما ذكرت عن معنى غض الأبصار وحفظ الفروج الّذي أرادنا الله عز وجل أن نتدبَّرهُ ونتبيَّنهُ من خلال تلك الآيات البينات (آية 30 و31) من سورة النور. لقد قال الله تعالى: "وتوبوا إلى الله جميعًا". "جميعًا"، تعني رِجالاً ونِساءً، مؤمنون ومؤمنات.

 

5. سورة الآحزاب، من آية 28 إلى 34:

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزۡوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً  (٢٨) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلۡأَخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمًا (٢٩) يَـٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَـٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِ‌ۚ وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقًا ڪَرِيمًا (٣١) يَـٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسۡتُنَّ ڪَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِۚ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلۡبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلۡنَ قَوۡلاً مَّعۡرُوفًا  (٣٢) وَقَرۡنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّڪَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنڪُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرًا (٣٣) وَٱذۡڪُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِى بُيُوتِڪُنَّ مِنۡ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِڪۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (٣٤). 

إذا تدبرنا تلك الآيات البيِّنات من سورة الأحزاب، نجد أنّها مُوجَّهة بشكل مباشر وخاص من الله عز وجل لنسآء النّبي. وإن آية 33 تعطينا فكرة عن طريقة تبرج النساء عمومًا، ونسآء النبي خصوصًا. لقد طلب الله تعالى مِن نسآء النبي في تلك الآية (آية 33) أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، أي أن لا يتبرَّجنَ كما كُنَّ يتبرجن في السابق قبل نزول القرءان، فَهُنَّ أصبحنَ الآن زوجات النبي. ولقد اختص الله تعالى نسآء النبي في تلك الآيات الكريمة لكي "يُذهِب الرِّجْسَ عنهم أهل البيت ويطهرهم تطهيرًا". إنَّ أكثر نساء الرسل والأنبياء كُنَّ من المؤمنات الصالحات، وكذلك نساء النبي محمد يجب عليهِنَّ أن يكن من المؤمنات الصالحات القانتات وأن يبتعِدنَ عن الحيواة الدنيا وزينتها، وإلا فسوف يسرحهن النبي سراحًا جميلاً (أي يطلقهن بإحسان) كما أمره الله عز وجل في آية 28، لكي لا يُعطي أعداء الله ورسوله أية فرصة لمحاربتِهِ بإيذاء زوجاته أو بمحاولة التأثير عليهن أو باستخدامهن ضد الله ورسوله. ولو خضعت نساء النبي بالقول لطمِعَ الّذي في قلبِهِ مرضٌ ولوقعنَ في الفتنة كما أخبرنا الله تعالى في آية 32، ولأدت بهنَّ هذه الفتنة إلى خيانة الله والرسول والمؤمنين والمؤمنات والقرءان، ولشكَّلنَ بذلك خطرًا على الرسول وعلى المؤمنين والمؤمنات عموماً وعلى رسالة القرءان أي على دين الإسلام خصوصاً. ولو وقعت نسآء النبي في الفتنة وفعلنَ الفاحشة، فسوف يُضاعِفُ الله لهُنَّ العذاب ضِعفين في الدنيا والآخرة، كما أخبرنا تعالى في آية 30.

 

6. ما هو الحجاب الّذي ذكره الله تعالى في آية 53 من سورة الأحزاب، وما مفهومه، وعلى مَن فرضَهُ؟

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَـٰظِرِينَ إِنَٮٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَالِكُمۡ ڪَانَ يُؤۡذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسۡتَحۡىِۦ مِنڪُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡىِ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعًا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۚ ذَالِڪُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَڪُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَاجَهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَالِكُمۡ ڪَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا (٥٣). 

لقد كانت بيوت النّبي مفتوحة لِذوي الحاجة والفقراء والمساكين، ليس فقط من المؤمنات ولكن أيضًا من المؤمنين، ولذلك بدأ الله تعالى هذه الآية (آية 53) بقوله: "يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ​"، وهنا يتحدَّثُ الله تعالى مع الّذين ءامنوا، أي مع الذكور من الرِجال. ولقد كانت نساءِ النَّبي يُطعِمونهم ويسقونهم ولم يكن النّبيُّ معهُنَّ في بُيوتِهِنَّ. ولذلك طلب الله تعالى من الّذين آمنوا أن يأكلوا مما يُقَدِّمنَ نساء النَّبيِّ إليهم مهما كان مستوى هذا الأكل، لِقولِهِ تعالى: "إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَـٰظِرِينَ إِنَٮٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ"، وبأن يخرجوا فورًا من بيوت النّبي حين انتهاءهم من الأكل، لِقولِهِ تعالى: "فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ"، فلا يبقوا في بيت النبِي بهدف المُسايرة والتحدث إلى نسائِهِ، لِقولِهِ تعالى: "وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍ". لذلك أمرهم الله تعالى بأن يضعوا "حجابًا" حين يطلبوا منهنَّ حاجتهم من المتاع أي من المأكل والمشرب، لِقولِهِ تعالى: "وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعًا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۚ ذَالِڪُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ". وهذا يعني أنهم عليهم أن يضعوا "حاجزًا" بينهم وبين نساء النبي، وهو حاجزٌ معنوي مثلاً، بطريقة تحدُّثهم إليهنَّ أو بطريقة نظرهم إليهنّ. أي عليهم "أن يغُضّوا من أبصارِهِم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم"، لكي لا تكون الغاية من دخولهم بيوت النبي هو التحدث إلى زوجاته أو ملاطَفَتهُنَّ أو محاولة ارتكاب الفواحش أو إثارة الفتن. وبذلك تكون الحاجة الوحيدة لدخولِهم بيوت النبي هي المتاع أي الأكل والشرب، وإلاّ يصبح دخولهم بيوت النبي سببًا لإشاعة الفاحشة فيه وفي نساءِهِ، وفرصة للمنافقين والّذين في قلوبهم مرض لإشاعة الفتن ولإيذاء النبي بواسطة أزواجِهِ، كما قال تعالى: "وَمَا كَانَ لَڪُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَاجَهُ مِنۢ بَعۡدِهِ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَالِكُمۡ ڪَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا". إذًا ف"الحجاب" هو الحاجز المعنوي، وهدفه الصدق والاحترام وحسن النيَّة، أي غض البصر وحفظ الفرج وزكواة النفس، وهذا يؤدي إلى طهارة العقل والقلب. هذا ما بيَّنهُ الله تعالى لنا بقولِهِ: "... ذَالِڪُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ".

والدليل على أنَّ الحجاب هو حاجز معنوي وضعهُ الله تعالى بين المؤمنين والمؤمنات عامة، وبين الّذين آمنوا ونساء النبي خاصَّةً، نجده في قولهِ تعالى في آية 53 من سورة الأحزاب:

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
... وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعًا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۚ ذَالِڪُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ... (٥٣). ​

نجد في هذه الآية البينة:

1) أولاً، أنَّ الله تعالى لا يُخاطب فيها نسآء النبي ولكنه يُخاطب المؤمنين (أي الرجال) بقولِهِ لهُم: "وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعًا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۚ"، إذًا فالحجاب الّذي أمر الله تعالى بِهِ وفرضَهُ في هذه الآية، لم يأمر بِهِ نساء النبي أو يَفرِضهُ عليهِنَّ، ولكنَّهُ أمر بِهِ وفرضهُ على الّذين آمنوا (وهم من فئة الذكور من الرجال)، وهذا يدلنا على أنَّ الحجاب الّذي فرضَهُ الله تعالى في هذه الآية هو حجاب فرضه على الرجل وليس على المرأة، إذًا فالرجل هو الّذي عليه أن يضع الحجاب وليس المرأة.

2) ثانيًا، إنَّ قول الله تعالى: "ذَالِڪُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ"، يدلنا ويبين لنا ويُعطينا الغاية والهدف من الحجاب، الّذي هو طهارة قلوب الّذين آمنوا من الّذين يدخلون بيوت النبي، وأيضًا طهارة قلوب نساء النبي (أي أزواجه) لِكَيْ لا يقعنَ في الفتنة. هذا يُبيِّن ويُبرهن بل يؤكِّد لنا أنَّ الحجاب المقصود في هذه الآية هو حجابٌ معنويٌ وليس حجابًا ماديًا. وأنَّ هذا الحجاب وضعه الله تعالى على قلب الّذي آمن لكي يحول بينه وبين رغباتِهِ وأهوائِهِ إذا ما أراد أن يدخل بيوت النبي بهدف المتاع، مع ملاحظة هامة جدًا  وهي أنَّ الحجاب لُغوِيًّا يعني الستار أو الحاجز أو الفاصل.

3) ثالثًا، أين وفي أيةِ آية في القرءان الكريم ورد أنَّ الحجاب هو ستر أو حجز رأس المرأة أو شعرها أو وجهها أو رقبتها؟

4) رابعًا، إذا تدبَّرنا جميع الآيات الّتي ذكر الله تعالى لنا فيها كلمة حجاب، نجد من خلالها أنَّ الحجاب هو الحاجز أو الفاصِل، وهو حاجزٌ معنوي وليس مادّيًا.

نجد تلك الآيات في السُور التالية:

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَبَيۡنَہُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٌ يَعۡرِفُونَ كُلاَّۢ بِسِيمَٮٰهُمۡ‌ۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُمۡ‌ۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ (٤٦). 

(الحجاب = الحاجز أو الفاصل بين أصحاب النار وأصحاب الجنة).

سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسۡتُورًا (٤٥) وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِہِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِہِمۡ وَقۡرًا‌ۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِى ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَـٰرِهِمۡ نُفُورًا (٤٦). 

(الحجاب المستور = الحاجز المستور = الحاجز الغير مرئيّْ الّذي وضعه الله تعالى بين الرسول محمد عليه السلام وبين الكُفار = جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِہِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِہِمۡ وَقۡرًا‌ۚ).

سُوۡرَةُ مَریَم
وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانًا شَرۡقِيًّا (١٦) فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧). 

(فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا = امتنعت عن قومها = تركت قومها من دون عِلمِهِم أو معرفتِهِم وذهبت إلى مكان بعيد لا عِلمَ لهُم بِهِ = اْنتبذَت من أهلها مكانًا شرقيًّا).

سُوۡرَةُ فُصّلَت
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِىٓ أَڪِنَّةٍ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِىٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٌ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٌ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ (٥). 

(مِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٌ = حاجز معنوي وضعه الكُفار بينهم وبين الرسول محمد عليه السلام = قَالُواْ قُلُوبُنَا فِىٓ أَڪِنَّةٍ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِىٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٌ = عدم إيمانهم وتصديقهم بالقرءان = فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ).

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذۡنِهِ مَا يَشَآءُ‌ۚ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَڪِيمٌ (٥١). 

(مِن وَرَآىِٕ حِجَابٍ = حجاب وضعه الله تعالى يحجز ويمنع من أن يُكلمنا سُبحانهُ بشكل مُباشر = حاجز غير مُباشر = وحيًّا = يرسل رسولاً فيوحِيَ بإذنه ما يشآء).

من خلال جميع تلك الآيات البينات عن الحجاب، نجد بأنَّ الحجاب هو حاجز أو فاصل أو مانع ليس ظاهرًا ولا نستطيع أن نراه، ولكنه حجاب معنوي وغير مرئي.

5) خامسًا، لقد أمر الله تعالى الّذين آمنوا في هذه الآية أن يضعوا حِجابًا بينهم وبين نساء النبي، ولم يأمرهم بأن يضعوا حجابًا  على نساء النبي ولا بأن يضعوا حجابًا بينهم وبين نساء غير نساء النبي. إذًا فإنَّ آية 35 هي في الحقيقة آية تختص فقط بنساء النبي. وإنَّ ما يختص بمفهوم الحجاب المعنوي بين الرجال والنساء عمومًا، وضعه الله تعالى لنا في آيات أخرى في عدَّة سُور في القرءان الكريم، منها آيات في سورة النساء، والنور والأحزاب، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ الحجاب بين الرجل والمرأة بشكل عام هو الحاجز المعنوي الّذي هو غض البصر وحفظ الفرج وبالتالي النيَّة الحسنة الّتي تؤدي إلى طهارة القلب.

باختصار مُفيد: إن آية 53 من سورة الأحزاب هي أكبر دليل على أن المؤمنين كانوا يستطيعون دخول بيوت النبي من دون وجود النبي فيها، ولذلك استخدم الله تعالى صيغة الجمع بقوله: "لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ ...". هذا يدلنا على أنَّ النبي محمد عليه السلام كان مشغولاً بالضرب في الأرض ونشر رسالة القرءان وكانت زوجاته يساعدنه بإعالة وإطعام المساكين والمحتاجين، ولقد كانت نساء النبي وكذلك جميع المؤمنين والمؤمنات يُساعِدنَ النبي في نشر رسالة القرءان وإقامتها، وكانوا يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة ويطيعون الله ورسوله بالقرءان، فالقرءان هو رسالة الله إلى الرسول محمد عليه السلام، ومنه إلى زوجاته وإلى العالم أجمعين.

 

7. ما هو الجلباب وما مفهومه ولماذا فُرِضَ في سورة الأحزاب؟

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓٮِٕڪَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّۚ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا (٥٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَہُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا مُّهِينًا (٥٧) وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱڪۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَـٰنًا وَإِثۡمًا مُّبِينًا (٥٨) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزۡوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡہِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّۚ ذَالِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥٩) لَّٮِٕن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِى ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيہَآ إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلاً (٦١) سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلاً (٦٢). 

نجد في الآيات البينات أن الله تعالى أراد حماية المؤمنين وخاصة المؤمنات من ألسنة السوء. لقد كان المنافقون والّذين في قلوبهم مرض يستَغِلّونَ ما كان عليه المؤمنون والمؤمنات وأزواج الرسول قبل نزول القرءان وقبل دخولهم في الإسلام، وكانوا يشيعون الفاحشة فيهم بالكذب بعد دخولهم في الإسلام.

لقد كان المؤمنون يعيشون حياة مليئة بالأخطاء والفساد وكانوا يرتكبون الفواحش قبل نزول القرءان، وكذلك المؤمنات ومن بينهُنَّ أزواج الرسول، فقد كانت حياتهن مليئة أيضًا بالأخطاء، وكُنَّ يَرتَكِبنَ أيضًا الفواحش ويَتَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهلية الأولى ويَرْتَدينَ ثِيابَهُنَّ بطريقة فاضحة. ولكن عندما نزل القرءان الكريم وهداهم الله تعالى جميعًا إليه، استغفروه وأصبحوا من المصلحين والمصلحات ومن المؤمنين والمؤمنات وابتعدوا عن طريق الضلالة وعن طريق الظلم والفساد والفواحش، لذلك غفر الله تعالى لهم ما قد سلف من أعمالهم الخاطئة ونجد ذلك في آية 59 الكريمة في قوله تعالى: "وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا". من أجل ذلك حاول المنافقون والّذين في قلوبهم مرض والمُرجفون في المدينة أن يستغلوا ما كان المؤمنون والمؤمنات عليه من ارتكابهم للفواحش قبل نزول القرءان. لقد حاول المنافقون والمنافقات إيذآء الله ورسولِهِ، فحاولوا إيذاء النبي والتحدث عنه وعن زوجاته بالسوء والكذب وإشاعة الفاحشة فيهِ وفي زوجاتِهِ. وحاولوا أيضًا أن يؤذوا المؤمنين والمؤمنات بإشاعة الفاحشة فيهم. لذلك قال الله تعالى لهم في تلك الآيات البينات: "إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓٮِٕڪَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّۚ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا (٥٦) إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَہُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا مُّهِينًا (٥٧) وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱڪۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَـٰنًا وَإِثۡمًا مُّبِينًا (٥٨)"، وأكمل تعالى بقوله: "يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزۡوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡہِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّۚ ذَالِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥٩)". في هذه الآية البينة، طلب الله تعالى من أزواج وبنات النبي ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. الجلباب لُغويًا يعني الرداء أو اللباس المُسدَلْ الّذي يُسدَل على الجسد، فما دخلُهُ إذًا بتغطية شعر رأس المرأة أو وجهها؟

إنَّ المعنى الظاهر للجلباب هو اللباس المُحترم وليس اللباس الفاضح الّذي كانت نساء النبي والمؤمنات يرتدينهُ في السابق قبل دخولهنّ في الإسلام. والجلباب في هذه الآية هو في الحقيقة كناية عن استبدال وتغيير طريقة اللباس وارتداء الثياب بطريقة مُتزنة ومعقولة. أمّا المعنى الباطن للجلباب فهو تغيير طريقة اللباس الّذي كُنَّ عليه (دينهم الباطل) واستبدالِهِ بلباس التقوى الّذي هو لباس الإيمان بالله والعمل الصالح. وإنَّ الهدف من أن "يُدنينَ عليهِنَّ من جلابيبهِنَّ" هو لكَيْ لا يعطوا فرصة أو سبب للمنافقين والّذين في قلوبهم مرض لإيذائِهِنَّ بإشاعة الفاحشة فيهِنَّ بالكذب، فيُعرَفنَ أنَّهُنَّ أصبَحنَ من النساءِ المؤمنات الصالحات القانتات، وأنَّهُنَّ ابتَعَدنَ عن طريق الضلالة أي عن الطريق الّذي كُنَّ عليه، وأنَّهُنَّ أصبحنَ في طريق الهداية أي في طريق القرءان. ولذلك أكمل الله تعالى في الآيات التالية بقولِهِ: "لَّٮِٕن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِى ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيہَآ إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلاً (٦١) سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلاً (٦٢)".

إذا تدبَّرنا آية 60 في سورة النور، نجد أنَّ الله تعالى وصَفَ لنا لِباس المرأة بكلمة "ثوب" لا بكلمة "جلباب"، بقولِهِ فيها: "أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِينَةٍ". إذًا فالثوب هو الِّلباس. وهذا الثوب أو الّلباس أيًّ كان شكلهُ أو نوعهُ أو لونهُ تستطيع المرأة أن تضعهُ غير مُتبرِّجة بزينة.

إذا ربطنا تلك الآية (آية 60) في سورة النور بآية 59 في سورة الأحزاب، نتوصَّل إلى أنَّ الجلباب أو الرِّداء أو الّلِباس أو الثوب الّذي على المرأة أن تضَعَهُ غير مُتبرِّجة بزينة، هو الّلِباس المعقول المُعتدِل والمُتَّزِن والمُحترم، أيًّا كان شَكلُهُ أو نوعُهُ أو لونُهُ.

 سُوۡرَةُ النُّور
وَٱلۡقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا يَرۡجُونَ نِكَاحًا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِينَةٍ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٌ لَّهُنَّ‌ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠).

 سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزۡوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡہِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّۚ ذَالِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥٩).

سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
وَقَرۡنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّڪَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنڪُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرًا (٣٣).

(يُدۡنِينَ عَلَيۡہِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّۚ = أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَـٰتِۭ بِزِينَةٍ = وَقَرۡنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ)

 

8. في الختام، لقد حرَّف جهلاء الأمة الإسلامية (علماء الدين) مفهوم الخمار والحجاب والجلباب على الرغم من أنَّ الله تعالى ذكرهم وعرَّفهم وبيَّنَهم لنا في القرءان الكريم. ولقد ابتدعوا أيضًا النقاب. وإذا تدبرنا القرءان نجد أنَّ الله سُبحانه وتعالى لم يذكر لنا كلمة نقاب نهائيًا في القرءان الكريم، مِمّا ينفي نفيًا قاطعًا ويُدمِّر جميع الأحاديث الباطلة لهذا النقاب الفاسق المزعوم. فسؤالي لهؤلآء الكفرة الفجرة هو: من أين أتوا بكلمة نقاب، ومن أي مصدر جاؤوا بهذا النقاب المزعوم ومفهومِهِ، ومن سمَحَ لهم بهذا؟ ولمعلوماتهم، إنَّ النقاب هو أفضل وسيلة يستخدمونها لتسهيل فعلهم للفواحش وللفسق وللفجور وللبغاء في السِّر وفي العلن.  ولذلك فإنَّ أكثر المجتمعات "المُتديِّنة والمُتعصِّبة الإسلامية الزائفة" الّتي فيها نساء مُنقَّبات كالسعودية وقطر والأردن ومصر وغيرها، فيها من الفساد الإجتماعي ومن الفواحش الجنسية بجميع أشكالها ما يجعلنا نُفكِّر أكثر من مليون مرة قبل أن نرضى  لنساءنا بارتداء هذا النقاب. فالنقاب هو أكبر خطر على مجتمعاتنا وليس فقط على المجتمعات الإسلامية، ولكن على جميع المجتمعات في هذه الأرض. وإذا كان الله عز وجل لم يفرض على المرأة هذا الحجاب المزعوم المُعترف بِهِ في المجتمعات الإسلامية ولم يذكره في القرءان الكريم، فكيف إذًا يفرض النقاب عليها؟ وإذا بحثنا في التاريخ وفي الديانات البشرية السابقة، ما قبل الديانة اليهودية وما بعدها وصولاً إلى زمننا هذا، نجد بأنَّ الحجاب أتى من التُراث ومن العادات والتقاليد، أي من الأديان البشرية الباطلة، وليس من دين الله.

 

9. في النهاية، أرجو من صُنّاع ومُخترِعي الحجاب والنقاب أن يقرأوا الآيات البينات التالية، وهي آيات موجَّهة من الله سُبحانه وتعالى مباشرة إليهم بسبب تحريفهم لكتابِهِ وبسبب افترائِهم الكذب عليه وعلى رسولِهِ الأمين محمد عليه السلام:

سُوۡرَةُ یُونس
قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٍ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامًا وَحَلَـٰلاً قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡ‌ۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ (٥٩) وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡڪَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ (٦٠). 

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
أَمۡ لَهُمۡ شُرَڪَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ‌ۚ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِىَ بَيۡنَہُمۡ‌ۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢١). 

سُوۡرَةُ الحُجرَات
قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِڪُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (١٦).

12 Mar 11, 2016