ما هو مفهوم النسخ في القرءان الكريم، وهل يوجد ناسخ ومنسوخ؟ (1)

Raed's picture
Author: Raed / Date: Mon, 08/08/2016 - 20:55 /

 

ما هو مفهوم النسخ في القرءان الكريم، وهل يوجد ناسخ ومنسوخ؟ (1)

 

1. المقدمة:

إنَّ موضوع الناسخ والمنسوخ موضوع مهمّ جدًّا لأنَّ فيه تأثير كبير على مصداقية القرءان الكريم، لذلك قررت أن أكتب في هذا الموضوع لكي أُظهر الحق (القرءان الكريم) وأمحو الباطل (الناسخ والمنسوخ)، لكي يصِل صوت الحق إلى الّذين يبحثون عن الحق.

إنَّ القرءان الكريم وحده كافٍ لنسخ وإبطال أحاديث الناسخ والمنسوخ الّتي افتراها أئمة الكفر والضلالة في كتبهم الكاذبة. وأنا وبعون الله سوف أُبيّن من خلال آيات الله البينات حقيقة النسخ في القرءان الكريم لإبطال ونسخ وإزالة ومحو أي حديث أو كلام يُؤكد وجود الناسخ والمنسوخ في القرءان الكريم.

 

2. الناسخ والمنسوخ من كتب الأحاديث والتفاسير الباطلة:

يقول علماء السلف الّذين يسمون أنفسهم بفقهاء الدين الإسلامي -وما هم بذلك- إنَّ أحكام الشرائع في الأديان المختلفة اختلفت من شريعة لأخرى، قال تعالى: {لكل أمة جعلنا منسكًا هم ناسكوه} (الحج:67). وإنَّ شريعة الإسلام جاءت ناسخة لما سبقها من الشرائع، ومهيمنة عليها، واقتضت حكمة الله سبحانه أن يشرعّ أحكامًا لحكمة يعلمها، ثم ينسخها لحكمة أيضًا تستدعي ذلك النسخ، إلى أن استقرت أحكام الشريعة أخيرًا، وأتمّ الله دينه، كما أخبر تعالى بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة:3).

وقد بحث العلماء الناسخ والمنسوخ ضمن أبحاث علوم القرآن الكريم، وأفرده بعضهم بالكتابة.

والنسخ هو رفع الحكم الشرعي، بخطاب شرعي. وعلى هذا فلا يكون النسخ بالعقل والاجتهاد. ومجال النسخ هو الأوامر والنواهي الشرعية، أما الاعتقادات والأخلاق وأصول العبادات والأخبار الصريحة التي ليس فيها معنى الأمر والنهي، فلا يدخلها النسخ بحال. ولمعرفة الناسخ والمنسوخ أهمية كبيرة عند أهل العلم، إذ بمعرفته تُعرف الأحكام، ويُعرف ما بقي حكمه وما نُسخ.

وقد حدَّد أهل العلم طُرقًا يُعرف بها الناسخ والمنسوخ، منها: النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلمّ، أو الصحابي. فمن أمثلة ما نُقل عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها) رواه مسلم. ومن أمثلة ما نُقل عن الصحابي، قول أنس رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة: ونزل فيهم قرآن قرأناه ثم نُسخ بَعْدُ (بلِّغوا عنا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضيَ عنا ورضينا عنه) رواه البخاري. 

ومن طُرق النسخ أيضًا إجماع الأمّة، ومعرفة تاريخ الحكم المتقدم من المتأخر، والنسخ لا يثبت بالاجتهاد، ولا بمجرد التعارض الظاهر بين الأدلّة، فكل هذه الأمور وما شابهها لا يثبت بها النسخ.

والنسخ على أنواع:

1) فمنها نسخ القرآن بالقرآن. ومثاله نَسْخُ قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} (البقرة: 219) فقد نسختها آية: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة: 90) وهذا النوع من النسخ جائز بالاتفاق. 

2) ومنها نَسْخُ السنة بالقرآن. كنسخ التوجُّه إلى قبلة بيت المقدس، الذي كان ثابتًا بالسنة بقوله تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} (البقرة: 144). ونَسْخُ وجوب صيام يوم عاشوراء الثابت بالسنة، بصوم رمضان في قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة: 185). 

3) ومنها نَسْخُ السنة بالسنة. ومنه نسخ جواز نكاح المتعة، الذي كان جائزًا أولاً، ثم نُسخ فيما بعد؛ فعن إياس بن سلمة عن أبيه، قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها) رواه مسلم، وقد بوَّب البخاري لهذا بقوله: باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرًا.

ويأتي النسخ في القرآن على ثلاثة أنحاء:

الأول: نسخ التلاوة والحكم معًا، ومثاله حديث عائشة قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات) رواه مسلم.

الثاني: نسخ الحكم وبقاء التلاوة، ومثاله قوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} (الأنفال: 66) فهذه الآية نسخت حكم الآية السابقة لها مع بقاء تلاوتها، وهي قوله تعالى: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} (الأنفال: 65).

الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومنه ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها: (ثم نسخن بخمس معلومات) فإنّ تحديد الرضاع المحرِّم بخمس رضعات، ثابت حكمًا لا تلاوة.

ووجود النسخ في الشريعة له حِكَمٌ عديدة، منها مراعاة مصالح العباد، فإنّ بعض مصالح الدعوة الإسلامية في بداية أمرها، تختلف عنها بعد تكوينها واستقرارها، فاقتضى ذلك الحال تغيُّر بعض الأحكام؛ مراعاة لتلك المصالح، وهذا واضح في بعض أحكام المرحلة المكّية والمرحلة المدنية، وكذلك عند بداية العهد المدني وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلمّ. ومن حكم النسخ أيضًا ابتلاء المكلفّين واختبارهم بالامتثال وعدمه، ومنها كذلك إرادة الخير لهذه الأمّة والتيسير عليها، لأنّ النسخ إن كان إلى أشقّ ففيه زيادة ثواب، وإن كان إلى أخف ففيه سهولة ويُسر.

 

3. نقد مع إبطال لما ورد في خصوص الناسخ والمنسوخ:

لدي أسئلة عديدة أود أن أطرحها عليكم: هل الله عزّ وجلّ ينسخ آياته ويُغيِّر حكمه وسنّته وشريعته؟ وهل قانون الله ودينه يختلف من أمّة إلى أخرى؟ وهل ينزل الله شرائعًا مختلفة عن بعضها؟ وهل ينصّ الله عزّ وجلّ قوانينًا ويضع شرائعًا في القرءان، وبعدها يأتي وينُصّ قوانينًا وشرائع أخرى مختلفة ويُنزّلها في سياق ونصّ قرءاني آخر مختلف ويضعها في نفس كتاب القرءان؟ ألم يأمرنا الله عزّ وجلّ بأن نتّبع جميع آيات القرءان الكريم دون استثناء؟ وهل هناك أصلاً أي وجود لسنة محمد أو لوحي سنة محمد في القرءان الكريم؟

إذا كان هناك ناسخ ومنسوخ في القرءان الكريم فهذا يعني أنَّ هناك ناسخ ومنسوخ في جميع الكتب السابقة الّتي أنزلها الله تعالى على جميع أنبيائه ورُسُله كالتوراة والإنجيل، لأن شريعة الله واحدة ودينه وقانونه وحكمه واحد، وما قاله وشرعه وحكم به وأوحاه لمحمد هو تمامًا ما قاله وشرعه وحكم به وأوحاه لجميع الأنبياء والرسل السابقين.
 

  • لقد قالوا كذبًا وإفتراءً على الله عز وجل ورسوله الأمين محمد عليه السلام: ((النسخ يأتي في القرآن على ثلاثة أنحاء: الأول: نسخ التلاوة والحكم معًا، ومثاله حديث عائشة قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يُحرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات) رواه مسلم.)).

فهل حديث مسلم هذا عن عائشة في موضوع رضاع الكبير والعشر رضعات الّلاتي نُسِخنَ بالخمس رضعات معلومات له أي علاقة بالقرءان وبتلاوته وحُكمه؟ وهل ورد هذا الحديث الحقير عن رضاع الكبير أو عن العشر رضعات أو الخمس (حاشى لله وتعالى عمّا يصِفون) في القرءان الكريم؟ هل ورد أي شيء عن هذا الحديث في القرءان؟
 

  • ولقد قالوا كذبًا أيضًا: ((النسخ يأتي في القرآن على ثلاثة أنحاء: الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومنه ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها: (ثم نسخن بخمس معلومات) فإنّ تحديد الرضاع المحرِّم بخمس رضعات، ثابت حكمًا لا تلاوة.)).

والله لقد حيَّرونا في أمرهم، تارةً يقولون أنَّ هذا الحديث قد نُسِخَ تلاوةً وحُكمًا، وتارةً أخرى يقولون أنَّ هذا الحديث قد نُسِخ تلآوةً مع بقاء الحكم. وإنَّ تناقضهم هذا لا يدُل إلاَّ على كذب واحتيال من الدرجة الأولى. كيف ينسخ الله عز وجل التلاوة ويُبقي الحكم؟ وهل يترك الله عز وجل حكمًا من أحكامه قائمًا من دون أن يضعه لنا أو يُعرفنا عليه في كتابه الكريم وهو الّذي أخبرنا أنَّه قد فصَّلَ وأكمل لنا ديننا وأننا لا نستطيع أن نجد من دون كِتابِهِ مُلتحدًا؟
 

  • وقالوا أيضًا: ((النسخ يأتي في القرآن على ثلاثة أنحاء: الثاني: نسخ الحكم وإبقاء التلاوة.)).

فهل ينسخ الله عز وجل حكمًا من أحكامه من بعد أن أنزله ووضعه لنا في آية من آيات القرءان؟ وماذا يُفيدنا وجود تلك الآية في القرءان إذا كان حُكمُها قد أُلغِيَ؟ وهل هدف تنزيل آيات القرءان هو تلآوتها فقط من دون إقامتها وتطبيقها والعمل بأحكامها؟
 

  • وقالوا: ((والنسخ على أنواع: فمنها نسخ القرآن بالقرآن، ومثاله نَسْخُ قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} (البقرة: 219) فقد نسختها آية: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة: 90) وهذا النوع من النسخ جائز بالاتفاق. ومنها نَسْخُ السنة بالقرآن، كنسخ التوجُّه إلى قبلة بيت المقدس، الذي كان ثابتًا بالسنة بقوله تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} (البقرة: 144)، ونَسْخُ وجوب صيام يوم عاشوراء الثابت بالسنة، بصوم رمضان في قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة: 185). ومنها نَسْخُ السنة بالسنة، ومنه نسخ جواز نكاح المتعة، الذي كان جائزًا أولاً، ثم نُسخ فيما بعد؛ فعن إياس بن سلمة عن أبيه، قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها) رواه مسلم، وقد بوَّب البخاري لهذا بقوله: باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرًا.)).

1) أولاً، هل القرءان ينسخ القرءان؟ أو بمعنى أصح هل القرءان ينسخ نفسه؟ وإذا كان هذا صحيحًا فهذا يعني أنَّ القرءان يلغي نفسه، فهل يجوز أن نقول أو نؤمن أو نُصدِّق أو نقبل بمثل هذا القول عن هذا الكتاب العظيم الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفِهِ؟

2) ثانيًا، هل كان هناك سُنَّة لمحمد قبل نزول القرءان تأمرنا بالتوجه لبيت المقدس أو بصيام يوم عاشوراء؟ بمعنى أصح، هل التوجه إلى قبلة بيت المقدس (الثابت بالسنة) أو صيام عاشوراء (الثابت بالسنة) كان سنة من سنة محمد قبل نزول القرءان فنسخها القرءان عندما أنزله الله تعالى على محمد؟ أو هل سنة محمد كانت موجودة قبل نزول القرءان لكي يأتي القرءان بعدها فينسخها؟

3) ثالثًا، هل هناك في الأصل سنة غير سنة الله عز وجل الّتي وضعها لنا في كتابه الكريم لكي يأتي القرءان فينسخها أو لكي تأتي هذه السنة فتنسخ نفسها بنفسها؟

 

4. تأثير الناسخ والمنسوخ على القرءان الكريم:

هناك أحاديث لا تُعدّ ولا تُحصى عمّا نُسِخ من آيات في القرءان الكريم، ونحن إذا أحصينا تلك الآيات المنسوخة الّتي نسخها أئمّة الكفر والضلالة بأحاديثهم وتفاسيرهم الباطلة، فسوف نجد أنَّ جميع آيات القرءان هي في الحقيقة آيات منسوخة لا وجود لها في الأصل على أرض الواقع. إذًا فالقرءان الكريم هو كتاب منسوخ جملةً وتفصيلاً، ولا ينبغي علينا اتّباعه.

القرءان الكريم كتاب مُحكم ومترابط ومتشابه الآيات، وهو كتابٌ جمعه الله عز وجل فأكمله ولذلك فهو كتابٌ كامل بجمعِهِ، وكلّ آية من آياته مجموعة ومربوطة مع بعضها البعض، فهو أشبه بسلسلة واحدة هي مجموعة آيات (عقد) مربوطة ببعضها بإحكام، فإذا فُكَّت أو حُلَّت عقدة واحدة (آية واحدة) من هذه السلسلة لانهارت السلسلة جميعها (لانهارت جميع الآيات وبالتالي القرءان)، وإذا فُكَّت أو حُلَّت عقدة واحدة من هذه السلسلة فكأنما فُكَّت آيات القرءان جميعها وبالتالي القرءان بأجمعه، وإذا نُسِخت أو أُزيلت آية واحدة منه لنَقُصَ ولما اكتمل هذا القرءان. إذًا القرءان كامل بوجود كلّ آية من آياته مجموعة ومربوطة مع بعضها البعض، وكامل بوجوب العمل بأجمعها، فإذا نقُصت منه آية نقُصَ القرءان، وإذا ازداد عليه آية نقُص أيضًا القرءان. وهذا يعني أنه إذا نُسِخت آية واحدة من القرءان، فكأنما نُسِخَ وأُلغِيَ القرءان بأكمله، فما بالكم فيما إذا نُسِخت جميع آياته لا آية واحدة منه فقط؟

إنَّ الناسخ والمنسوخ فيه استهزاء كبير بالله وآياته، فنحن إذا نظرنا وبحثنا في هذه المسألة جيدًا، نجد فيها تحريفًا عظيمًا لشريعة الله عزّ وجلّ وسنّته، وإبطالاً كبيرًا لجميع آيات القرءان الكريم، وحثّ على عدم اتّباع القرءان وعلى الكفر والإشراك به. وكما قلت، إذا قبلنا بمسألة الناسخ والمنسوخ فلا يُصبح واجبًا علينا اتّباع القرءان الكريم لأنه يُصبح ناقصًا، فوجود الناسخ والمنسوخ لا يدلّنا إلاّ على وجود خطأ كبير فادح في القرءان وعلى أنَّ القرءان يحتوي على تناقضات كبيرة تُذهِب مصداقيته وتُشكك في مصدره.

إذا نظرنا في القرءان الكريم، نجد فيه آيات عظيمة تدلنا على أنَّ القرءان الكريم كتابٌ مُحكم ومُفصَّل ومتشابه وكامل ومربوطٌ بعضهُ ببعض ونجد أنه لا تبديل لكلماته. وقبل أن أبدأ بتبيان معنى النسخ من القرءان الكريم، أودُّ أن أتلو عليكم بعضًا من تلك الآيات البيّنات العظيمة.

سورة هود
الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾.

سورة الزمر
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ... ﴿٢٣﴾.

سورة البقرة
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٧٣﴾.

سورة الأعراف
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾​.

سورة يونس
وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْءانُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٧﴾.

سورة يوسف
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١١١﴾​.

سورة الإسراء
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴿١٢﴾.

سورة الأنعام
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿١١٤﴾ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١١٥﴾.

سورة الأنعام
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴿٣٣﴾ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٤﴾.

سورة الكهف
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴿٢٧﴾.

سورة القيامة
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿١٦﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ ﴿١٧﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ ﴿١٨﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿١٩﴾.​

سورة المائدة
... الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٣﴾.

 

  • عندما يقول الله عزّ وجلّ في تلك الآيات "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، فهذا يعني أنّه تعالى أكمل دين الرسول محمد والّذين ءامنوا معه في زمنه. وعندما أكمل الله تعالى لهم دينهم فهذا يعني أنّه أكمل لهم القرءان الكريم. وهذا يعني أنَّه تعالى أوحاه لهم كاملاً أي بأكملِهِ ومُجمَلِهِ (فيه جميع العلوم والأمثال والعِبَرْ) ومن دون أن يُنقِص منهُ أي شيء أو يُنقِص منه آية. إذًا فالقرءان الكريم هو كتابٌ كامل لأنَّ الله عز وجل أكمله لهم، إذًا من المستحيل ومن المحظور أن يوجد فيه نقص. ونحن إذا سلّمْنا بوجود الناسخ والمنسوخ، يُصبح القرءان الكريم لدينا منسوخًا وبالتالي ناقص، وهذا يُخالِف ويُناقض هذه الآية الكريمة. والآن هل من الممكن بعد قراءتنا لهذه الآية الواضحة أن نتجرّأ على الله عز وجل وآياتِه ونقول أنَّه حاشآه أكمل لهم دينهم وبعد ذلك قام بنسخِ ومحو وإبطال هذا الدين؟ وعندما يقول الله عز وجل أنّه أكمل لهم دينهم، فهذا يعني أنَّ القرءان كامل لما فيه من آيات محفوظة ومجموعة فيه، أي كامل بوجود جميع آياتِهِ مع بعضها. وهذا يعني أيضًا أنَّ كل آية من آيات القرءان تُكمِّل القرءان، وإذا نقص منها أو نُسِخ منها آية واحدة يُصبح هذا القرءان ناقصًا وغير كامل، وبالتالي أيضًا دينهم.

وإنَّ قول الله عز وجل "وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي"، يعني أنَّ نعمة الله عليهم والّتي هي إعطائهم الدين بتنزيل الكتاب لا تكون تامَّة إلاّ بوجود القرءان كاملاً وبوجود كل آية من آياتِهِ وبوجود كل حُكم من أحكام جميع تلك الآيات.

وإنَّ قول الله عز وجل "وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، يعني أنَّه رضِيَ لهم القرءان دينًا. وهذا يعني أنَّ دين الإسلام هو دين القرءان وهو دينٌ كامِل وغير ناقص (غير ناسخ وغير منسوخ)، وإلاَّ لا يرضى الله عز وجلّ عن دينٍ ناقص ولا يقبل بِهِ دينًا.

وإنَّ قول الله عزّ وجلّ عن الّذين كفروا في بداية تلك الآيات "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ" يجعلنا نطرح سؤالاً منطقيًّا وبديهيًّا:  لماذا على الّذين كفروا أن ييأسوا من دين الرسول محمد والّذين ءامنوا معه إذا كان دينهم هذا غير كامل وغير تام أي ناقص وإذا كانت آيات هذا القرءان ناسخة ومنسوخة؟

إنَّ جميع تلك الآيات تؤكد لنا أنَّ القرءان الكريم كان كاملاً وتامًا. وأنَّ جميع آياته مع أحكامها كانت موجودة فيه وكان يُعمَل بها جميعها (كُلّها) في زمن الرسول محمد عليه السلام.  وأنّه لم يكن فيه (ولن يكون فيه) لا آيات ناسخة ولا آيات منسوخة.

 

  • وعندما يقول الله عزّ وجلّ في تلك الآيات "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ"، فهذا أكبر دليل لنا:​

1) ​أولاً، على أنَّ الله عز وجل هو الّذي جمع القرءان الكريم للرسول محمد عليه السلام في زمنه، مِمّا يدلنا على أنَّ القرءان الكريم كان مجموعًا بأكملِهِ (كان كاملاً وتامًّا) في زمن الرسول محمد، وكانت آنذاك جميع آياتِهِ حاضِرة ومجموعة ومقروأة ومكتوبة مع بعضها البعض في كتاب. مِمّا ينفي الحديث الكاذب الّذي يقول بأنَّ عثمان جمع القرءان بعد وفاة الرسول.

2) وثانيًا، أنَّ القرءان لا يكون قرءانًا إلاّ بجمعهِ، أي إلاَّ إذا كانت جميع آياتِهِ مجموعة مع بعضها وغير مُنفصِلة عن بعضها وحاضرة التنفيذ. ولذلك ربط الله تعالى لنا معنى جمعَهُ بمعنى قُرءانَهُ بقوله في آية (17): "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ". إذًا جَمْعَهُ تعني قُرْءانَهُ. من هذا المنطلق نستطيع أن نُعرِّف القرءان بأنه كتابٌ جامعٌ لجميع آياتِهِ، وإذا انفصلت آياته عن بعضها أو نقص منه آية لا يُصبح كتابًا جامعًا لآياته، وبالتالي لا يصبح قُرءانًا.

ونجد في قول الله عز وجل في آية (18) و(19): "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" حثّ من الله عز وجل لرسوله محمد على اتباع قُرءانهُ أي على اتباع جَمعَهُ (أي اتباع جميع ما جمع الله له من قرءان) وتمامًا كما قرأهُ أي كما جَمَعَهُ له. ونجد أيضًا حثّ من الله تعالى لمحمد على أخذ وتعلم بيانه فقط منه، وذلك من خلال علمه العظيم الّذي وضعه له في كل آية من آياته، ومن خلال هذا الأسلوب الإلآهي العظيم لتلك الآيات. ولذلك منعه الله أن يعجل بالقرءان من قبل أن يجمعه ويقرأهُ ويُبيِّنهُ لهُ (أي من قبل أن يُقضى إليه وحيه) بقوله له: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ". وبقوله له أيضًا  في آيات سورة طه:

سورة طه
وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴿١١٣﴾ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴿١١٤﴾ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴿١١٥﴾.​

كل ما ذكرت لكم يدُلُّنا على أنَّ الرسول محمد عليه السلام اتبع قرءانَهُ أي جمع القرءان تمامًا كما جمعه الله تعالى له وتمامًا كما أمره. وأنَّهُ لم يَفْصِله عن بعضه ولم يُفرِّق في آياتِهِ. وأنَّهُ لم يعجل بِهِ، أي لم يزِد أي شيء أو آية أو حُكم أو يُنقِص أو ينسَخ أو يلغي أي شيئ أو آية أو حُكم من الوحي الّذي أوحاه الله تعالى إليه.

3) ثالثًا، إنّ جمع القرءان هو في الحقيقة جمعٌ لجميع كُتُب الله ورسالاته الّتي أنزلها تعالى على جميع أنبيائه ورُسُلِهِ من قبل ووضعها في سطور آيات القرءان. فالقرءان الكريم هو الكتاب الّذي يجمع جميع رسالات الله. وإذا سلّمنا بوجود الناسخ والمنسوخ، تُصبح جميع رسالات الله ومن ضمنها القرءان رسالات ناسخة ومنسوخة، وبالتالي غير مُعترف بها.

 

  • وعندما يقول الله عزّ وجلّ في تلك الآيات أنَّهُ "لا مُبدِّل لكلماته"، فهذا يعني أنه لا مُبدِّل لشريعته، ولا مُبدِّل لدينه، ولا مُبدِّل لقانونه، ولا مُبدِّل لمشيئته أو إرادتِه، ولا مُبدِّلً لحُكمه، ولا مُبدِّل لقضائه، ولا مُبدِّلَ لأمرِهِ، ولا مُبدِّل لآياته، ولا مُبدِّل لِكُتُبِهِ (أو لكتابه). إذًا قانون الله عزّ وجلّ ودينه واحد، وشريعته وسنّته وحُكمهُ وقضاءه واحد لجميع أنبيائه ورُسُله ولجميع الأمم، والله عز وجل لا يُبدِل أو ينسخ أو يُغير أو يُبطل قانونه أو شريعته أو حُكمه أو أمره أو مشيئته أي آياته، وإلاّ يُصبح هناك تناقضًا وخللاً ونقصًا ولعِبًا وعدم مصداقية من الله عز وجل في القرءان، وحاشى لله وتعالى عن أن يفعل هذا أو أن يكون كذلك.   

وإنَّ قول الله تعالى "وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا"، يعني أنَّه ليس للرسول محمد عليه السلام ملجئًا يلجئ إليه إلاّ القرءان، ولا يوجد أي ملجئ آخر غيره يستطيع الّلجوء إليه. هذا أكبر دليل على أنَّهُ لا يوجد كتاب خارج عن كتاب القرءان نستطيع اتباعه. لا وجود لأي كتاب نؤمن بِهِ ونتبعه إلاّ القرءان. إذًا لا وجود لِكُتُب أحاديث أو سُنة أو تفاسير أو فقه نستند عليها، أي لا ناسِخ ولا منسوخ.

 

  • وعندما يقول الله عز وجل في تلك الآيات أنه "أَنْزَلَ إِلَيْنا الْكِتَابَ مُفَصَّلًا"، فهذا يعني أنَّ جميع آياته متعلقة ومربوطة ببعضها بهدف تفصيل القرءان الكريم. إذًا جميع آيات القرءان هي آيات مُفصَّلات بترابطها مع بعضها، فلا يُمكننا أن نفصلها عن بعضها ولا أن نلغي منها ولو آية واحدة.

 

  • وعندما يقول الله عز وجل في تلك الآيات "اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا"، فهذا يعني أنه علينا أن نضرب جميع آيات القرءان الكريم ببعضها وأن لا نفصلها عن بعضها، فلا نلغي أو ننسخ أو نُبطل أو نُزيل أية آية من آياته، وإلاَّ يُصبح هناك خلل في معاني آيات القرءان وبالتالي لا تستطيع تلك الآيات أن تُحيينا من بعد موتنا أو أن تُفيدنا بأي شيء.

 

  • وعندما يقول الله عز وجل أنَّ القرءان هو "كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ"، فهذا يعني أنَّ جميع آياته متشابهة مع بعضها، وبالتالي تُفسِّر بعضها البعض. إذًا فنحن لا نستطيع أن ننسخ أو نلغي ولا آية واحدة من القرءان، وإلاّ يسهل بذلك تحريفه وبالتالي يُصبح القرءان ناقصًا، فيُصبح من الصعب علينا فهمه، وبالتالي يصعب علينا التصديق بِهِ.

 

  • وعندما يقول الله عز وجل أنَّ القرءان "أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ"، فهذا يعني أنَّه مُحكمٌ بجميع آياته، وأنَّ جميع آياته مُحكمات بترابطها مع بعضها البعض. ونحن إذا نسخنا أو أبطلنا منه آية أو أكثر، فسوف يصبح القرءان كتابًا ناقصًا ينقصه آيات مُحكمات وبالتالي يفقد مصداقيَّته.

 

تكملة هذا الموضوع تجدونها في الجزء الثاني على هذا الرابط بعنوان: ما هو مفهوم النسخ في القرءان الكريم، وهل يوجد ناسخ ومنسوخ؟ (2).

هذا الموضوع تجدونه أيضًا على هذا الرابط في: برنامج الهدف، حلقة رقم ٥٩، بعنوان: مناظرة في القرءان.

 

والسلام عليكم

 

32 Aug 09, 2016