لماذا طلب الله تعالى من الملآئِكة وإبليس السجود لآدم، وما هي كيفية هذا السجود؟

 

لماذا طلب الله تعالى من الملآئِكة وإبليس السجود لآدم؟ وما هي كيفية هذا السجود؟

 

السلام (الجنّة) على من سجد لآدم، واللعنة (جهنمّ) على من لم يسجد.

(١): السجود هو عكس التكبر، والسجود يعني تقبُّل الآخر أو القبول بالآخر، والسجود يعني الإنحناء بخضوع للأمر أو للشخص، والسجود يعني الطاعة.

إنَّ طلب الله عزّ وجلّ من الملآئِكة ومن الجن السجود لآدم هو في الحقيقة طلب من الله عزّ وجلّ أن يسجد القوي للضعيف ولا يتكبَّر عليه، أي أن يتواضع الأقوى للأضعف، بهدف أن نعيش جميعًا مع بعضنا البعض بسلام ومحبة وعدم تكبر وعنصرية وتفرقة واختلافات.

"القوي" هم الملآئِكة في الدرجة الأولى نسبة لقوة خلقهم وقُدرتهم، وهُم الجن في الدرجة الثانية أي الإنسان القوي نسبة لقدرته العقلية الكبيرة، وهذا الإنسان عرَّفهُ الله تعالى لنا في القرءان الكريم وأخبرنا بأنَّهُ تعالى زاده بسطةً في العلم أو المال أو الجسم وأنَّهُ ميَّزَهُ وفضَّلَهُ على باقي الناس.

أمّا "الضعيف" فهو كناية عن آدم، أي الإنسان الّذي تاب الله عليه وأعطاه الفرصة في هذه الأرض لِكي يتوب. أي هو كل إنسان متواضع أو عادي أو متوسِّط الفهم أو فقير العقل أو فقير العِلْم والمعرفة أو فقير المال أو مسكين أو مظلوم أو ضعيف أو مريض إلى آخره، أي هو كل إنسان محتاج، يحتاج إلى مُساعدة الآخرين أو يحتاج إلى مساعدة الّذين هُم أقوى مِنهُ.

 

(٢): والآن سوف أبدأ بتبيان وتفصيل سجود الملآئكة لآدم:
إنَّ سجود الملآئِكة لآدم، هو في الحقيقة سجود فقط للإنسان الّذي أراد أن يتوب، لأنَّ الملآئكة لا تسجد للإنسان الظالم والفاسد، وإنَّ سجود الملآئِكة للإنسان يُترجم بمساعدة الملآئِكة لكل إنسان يحتاج إلى مساعدة في هذه الأرض، وذلك من خلال قدرتهم وقوتهم الّتي خلقهم الله عزّ وجلّ بها، وذلك من خلال طاعتهم لأوامر الله وفعلهم ما يأمرهم بِهِ، فيكون هذا السجود إمّا بتنزيل الكتاب، أو بحماية الضعفاء، أو بتعذيب القرى الظالمة من أجل إزالة الفساد بهدف حماية المظلومين والضعفاء في الأرض، أو بمساعدة الأنبياء والرُسُل في الحروب، أو بغيرها من الأعمال الملآئِكيَّة في السماوات والأرض وما بينهما الّتي تهدف إلى مساعدة الإنسان والّتي لا يعلمها إلاَّ الله جلّ في عُلاه والملآئِكة أنفسهم. ولقد أعطانا الله تعالى عدّة أمثال عن سجود الملآئِكة لآدم في القرءان الكريم، تلك الأمثال تجدونها في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ فَاطِر
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ رُسُلاً أُوْلِىٓ أَجۡنِحَةٍ مَّثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۚ يَزِيدُ فِى ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ (١).

"أُوْلِىٓ أَجۡنِحَةٍ" = أولِى قوة.

* سُوۡرَةُ الصَّافات
وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفًّا (١) فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجۡرًا (٢) فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكۡرًا (٣).

* سُوۡرَةُ الصَّافات
وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعۡلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّآفُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ (١٦٦).

* سُوۡرَةُ الذّاریَات
وَٱلذَّارِيَـٰتِ ذَرۡوًا (١) فَٱلۡحَـٰمِلَـٰتِ وِقۡرًا (٢) فَٱلۡجَـٰرِيَـٰتِ يُسۡرًا (٣) فَٱلۡمُقَسِّمَـٰتِ أَمۡرًا (٤).

* سُوۡرَةُ المُرسَلات
وَٱلۡمُرۡسَلَـٰتِ عُرۡفًا (١) فَٱلۡعَـٰصِفَـٰتِ عَصۡفًا (٢) وَٱلنَّـٰشِرَاتِ نَشۡرًا (٣) فَٱلۡفَـٰرِقَـٰتِ فَرۡقًا (٤) فَٱلۡمُلۡقِيَـٰتِ ذِكۡرًا (٥) عُذۡرًا أَوۡ نُذۡرًا (٦).

* سُوۡرَةُ النَّازعَات
وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرۡقًا (١) وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشۡطًا (٢) وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبۡحًا (٣) فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبۡقًا (٤) فَٱلۡمُدَبِّرَاتِ أَمۡرًا (٥).

* سُوۡرَةُ العَادیَات
وَٱلۡعَـٰدِيَـٰتِ ضَبۡحًا (١) فَٱلۡمُورِيَـٰتِ قَدۡحًا (٢) فَٱلۡمُغِيرَاتِ صُبۡحًا (٣).

* سُوۡرَةُ مَریَم
وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانًا شَرۡقِيًّا (١٦) فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتۡ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَآ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمًا زَڪِيًّا (١٩) قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِى بَشَرٌ وَلَمۡ أَكُ بَغِيًّا  (٢٠) قَالَ كَذَالِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ‌ وَلِنَجۡعَلَهُ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةً مِّنَّا‌ وَكَانَ أَمۡرًا مَّقۡضِيًّا (٢١).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
هُنَالِكَ دَعَا زَڪَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً‌ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ (٣٨) فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَهُوَ قَآٮِٕمٌ يُصَلِّى فِى ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٣٩).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَـٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهًا فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُڪَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلۡمَهۡدِ وَڪَهۡلاً وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٤٦).

* سُوۡرَةُ هُود
وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَاهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَـٰمًا‌ قَالَ سَلَـٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَہُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَڪِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡہُمۡ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٍ (٧٠) وَٱمۡرَأَتُهُ قَآٮِٕمَةٌ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَـٰهَا بِإِسۡحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَـٰقَ يَعۡقُوبَ (٧١).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
... وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَأَيَّدۡنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ‌... (٨٧).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٍ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٢٣) إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ مُنزَلِينَ (١٢٤) بَلَىٰٓ‌ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَٮِٕنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ‌ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقۡطَعَ طَرَفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَہُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآٮِٕبِينَ (١٢٧).

* سُوۡرَةُ التّوبَة
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِى ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا‌ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَڪِينَتَهُ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُ  بِجُنُودٍ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ ڪَلِمَةَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰ‌ وَڪَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلۡعُلۡيَا‌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠).

* سُوۡرَةُ غَافر
ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّہِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعۡتَ ڪُلَّ شَىۡءٍ رَّحۡمَةً وَعِلۡمًا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ (٧) رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِى وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآٮِٕهِمۡ وَأَزۡوَاجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَٮِٕذٍ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُ وَذَالِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (٩).

وآيات أُخرى كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.

من خلال جميع تلك الآيات البيّنات، تجدون وبكل وضوح كيفية سجود الملآئِكة لآدم كما ذكرتُ لكم سابقًا، وتجدون أنَّ سجود الملآئكة هدفه مساعدة الإنسان المؤمن أو التائِب في هذه الأرض، وهذا أكبر دليل على قبول الملآئكة بوجودية خلق الإنسان في هذا الكون، وعلى قبولهم لتوبة الإنسان، وعلى تواضعهم أمامه.

 

(٣): إنَّ مُساعدة الملآئكة الأقوياء للناس الضعفاء، والمظلومين، والمؤمنين، والتوابين في هذه الأرض هو في الحقيقة قبول من الأقوياء بالضعفاء وبحاجتهم إليهم، وتواضعهم وتقبّلهم لهم كمخلوقات ضعيفة تحتاج إليهم، وهو في الحقيقة إنحناء بأن يخضع الأقوياء للضعفاء يترجم بمُساعدتهم لهم، وهو في الحقيقة عدم تكبر الأقوياء على الضعفاء يُترجم بإعطائهم المساعدة عند حاجتهم إليهم، وهو في الحقيقة سجود خالص لله وطاعة مُطلقة بكل أمر يأمرهم الله عزّ وجلّ به وحْيًا، وفيه خير للإنسان في هذه الحيواة الدنيا وأيضًا في الآخرة.

ولكن حصل العكس فالإنسان المتكبر (إبليس) أعرض عن ذكر الله ورفض أن يسجد لآدم ويأخذ العِبرة من الملائكة، أي رفض أن يتواضع ويساعد أخيه الإنسان المحتاج إلى مساعدة، ورفض بخياره أن يعمل الخير والإصلاح، أي رفض أن يسجد لإنسانيته، لذلك قال أنا خير منه خلقتني من نار (القوّة العقلية والمال إلخ... فتفاخر وتكبر) وخلقته من طين (الضعف والحاجة إلخ...)، والبرهان المُبين الذي لا ريْب فيه نجده في:

* سُوۡرَةُ الزّخرُف
وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِى قَوۡمِهِۦ قَالَ يَـٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِى مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَـٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ تَجۡرِى مِن تَحۡتِىٓ‌ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ (٥١) أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوۡلَآ أُلۡقِىَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ مُقۡتَرِنِينَ (٥٣).

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَـٰڪُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (١١) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَ‌ قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُ مِن طِينٍ (١٢).

إخوني وأخواتي الأفاضل أرجوا منكم أن تتمعّنوا جيّدًا في آية (٥٢) من سورة الزخرف وآية (١٢) من سورة الأعراف وتربطوها ببعضها وستجدون البرهان المُبين على أنّ فرعرن هو إبليس.

آية (٥٢) من سورة الزخرف: "أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ" = آية (١٢) من سورة الأعراف: "... قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُ مِن طِينٍ".

آية (٥٢) من سورة الزخرف: "... أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا..." = آية (١٢) من سورة الأعراف: "... قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ...".

 

خلاصة آيات سورة الزخرف والأعراف كالتالي:

إبليس = الإنسان المتكبر، والظالم، والفاسد، والمُجرم إلخ... = الأحبار، والرهبان، والسلف الطالح، وأئمّة الكفر والإشراك، والعلمانيّين المُلحدين، وكل إنسان أعرض عن ذكر الله جلّ في علاه، إذًا إنّ إبليس، والشيطان، والجنّ ليسوا بمخلوقات مُتخفّية شاء من شاء وأبى من أبى، لا جِدال في آيات الله، لأنّ الذي يّجادل فيها من بعد ما تبيّن له الحقّ فهو كافر، وجبّار، ومُتكبرّ.
نجد البرهان المُبين في سورة غافر.

* سُوۡرَةُ غَافر
مَا يُجَـٰدِلُ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُہُمۡ فِى ٱلۡبِلَـٰدِ (٤).

* سُوۡرَةُ غَافر
ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَٮٰهُمۡۖ ڪَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَالِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ ڪُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥).

* سُوۡرَةُ غَافر
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَٮٰهُمۡۙ إِن فِى صُدُورِهِمۡ إِلَّا ڪِبۡرٌ مَّا هُم بِبَـٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (٥٦).

 

(٤): وكما سجدت الملآئكة لآدم في هذه الأرض وما زالت تسجد له إلى حين زوال الأرض، فسوف تسجد لآدم أيضًا في الآخرة إلى أبد الآبدين، هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ الزُّمَر
وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا‌ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَابُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُہَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٌ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَـٰذَا‌ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٧١) قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا‌ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَڪَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّہُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًا‌ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَابُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُہَا سَلَـٰمٌ عَلَيۡڪُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ (٧٣) وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعۡدَهُ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُ‌ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِينَ (٧٤) وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّہِمۡ‌ وَقُضِىَ بَيۡنَہُم بِٱلۡحَقِّ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٧٥).

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَبَيۡنَہُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٌ يَعۡرِفُونَ كُلاَّۢ بِسِيمَٮٰهُمۡ‌ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُمۡ‌ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ (٤٦) وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَـٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٤٧) وَنَادَىٰٓ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالاً يَعۡرِفُونَہُم بِسِيمَٮٰهُمۡ قَالُواْ مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ (٤٨) أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمۡتُمۡ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحۡمَةٍ‌ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ (٤٩).

* سُوۡرَةُ الرّعد
جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ يَدۡخُلُونَہَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآٮِٕہِمۡ وَأَزۡوَاجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِہِمۡ‌ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡہِم مِّن كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡ‌ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ (٢٤).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ‌ قَالُواْ خَيۡرًا‌ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٌ۬ وَلَدَارُ ٱلۡأَخِرَةِ خَيۡرٌ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّـٰتُ عَدۡنٍ يَدۡخُلُونَہَا تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ‌ لَهُمۡ فِيہَا مَا يَشَآءُونَ‌ كَذَالِكَ يَجۡزِى ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ (٣١) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّٮٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ طَيِّبِينَ‌ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٣٢).

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمۡ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِى ٱلۡأَخِرَةِ‌ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِىٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِّنۡ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (٣٢).

 

(٥): أريد أن أوضِّح أمرًا في غاية الأهمية، وهو أنَّ الله عزّ وجلّ أمر الملآئِكة أن يسجدوا لآدم فقط في حال سوّاهُ ونفخ فيه من روحِهِ، إذًا فإنَّ الله تعالى أمر الملآئكة بالسجود للإنسان من بعد أن سوّاهُ، أي من بعد أن أعطاه الخيار، أي القدرة على أن يفرق بين الخير والشر وذلك بإعطائه السمع والأبصار والأفئِدة، ومن بعد أن نفخ فيه من روحِه، أي من بعد أن أعطاه طريق العلم والإيمان لكي يختار طريق الخير، هذا يدلّنا بل يؤكدّ لنا أنَّ الله تعالى أمر الملآئكة بالسجود للإنسان من بعد أن أعطى هذا الإنسان المؤهلّات (السمع والأبصار والأفئدة) الّتي تُساعده على التوبة والرجوع عن فِعْل السيّئات، إذًا فالملآئِكة لا تسجد إلاَّ للإنسان الّذي سوف يتوب، ولا تسجد للإنسان الّذي سوف يعصي الله ويبقى على عصيانِهِ إلى أن يموت وهو كافر، هذا ما أخبرنا الله عزّ وجلّ به في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ الحِجر
وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى خَـٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن صَلۡصَـٰلٍ مِّنۡ حَمَإٍ مَّسۡنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيۡتُهُ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَة ڪُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ (٣٠).

* سُوۡرَةُ صٓ
إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى خَـٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيۡتُهُ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ڪُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ (٧٣).

* سُوۡرَةُ الانفِطار
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡڪَرِيمِ (٦) ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّٮٰكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِىٓ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ (٨).

* سُوۡرَةُ التّغَابُن
خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ‌ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ (٣).

* سُوۡرَةُ الکهف
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٍ ثُمَّ سَوَّٮٰكَ رَجُلاً (٣٧).

* سُوۡرَةُ التِّین
لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِىٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ (٤).

* سُوۡرَةُ السَّجدَة
ذَالِكَ عَـٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (٦) ٱلَّذِىٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَىۡءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّٮٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ‌ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ‌ قَلِيلاً مَّا تَشۡڪُرُونَ (٩).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ‌ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٧٨).

* سُوۡرَةُ الشّمس
وَنَفۡسٍ وَمَا سَوَّٮٰهَا (٧) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَٮٰهَا (٨) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّٮٰهَا (٩) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّٮٰهَا (١٠).

 

إخوتي وأخواتي الكرام، سوف أتابع هذا الموضوع عن سجود إبليس (الجن) لآدم بالتفصيل إن شآء الله في القريب العاجل.

والسلام على من اتّبع عِبرة آدم.

 

15 oct 31, 2016