بيان سورة العصر من القرءان الكريم

Raed's picture
Author: Raed / Date: Thu, 08/25/2016 - 18:12 /

 

بيان سورة العصر من القرءان الكريم

 

سُوۡرَةُ العَصر
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

 

1. في آية (1) يُقسِمُ الله عز وجل بالعصر بقوله فيها: "وَٱلۡعَصۡرِ". والعصر هو الدهر أو اليوم أو الّيْل والنهار أي الزمن الّذي عاش فيه الإنسان منذ بداية وجوديته إلى آخر زمن سوف يوجد فيه إلى أن تُفنى هذه الأرض، ووصولاً إلى الزمن أو الدهر الّذي سوف يعيش فيه الإنسان حياة خلود في الآخرة (إمّا في جهنم الخلد أو في جنة الخلد). إذًا هنا يُقسِمُ الله عز وجل بالعصر أو بالدهر الّذي فيه وُجِد الإنسان وعاش لسنوات طويلة وعديدة في هذه الأرض، وبالتالي يُقسم بوجودية العصر الّذي فيه سوف يعيش الإنسان مرَّةً ثانيةً في الآخرة.

لقد مرَّ على الإنسان أزمان وعُصور كثيرة، ولقد طال عليه العُمُر في هذه الأرض. فالإنسان في جميع العصور وعبر الأزمان كفر وأشرك بالله وفسق وأجرم وأفسد وظلم وقتل وسفك الدماء وتكبر وسيطر وطغى، إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ خلال تلك العصور والأزمان وقليلٌ ما هُم. ولذلك أقسم الله عز وجل بهذا العصر أو الدهر أو اليوم أو الّيل والنهار الّذي خلق تعالى فيه الإنسان وأعطاه وجوديته وابتلاه فأعطاه الحرية والخيار إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا، ولكن الإنسان اختار أن يستخدم هذا الزمن أو الدهر أو العصر الّذي عاش فيه في سبيل الشر، ولذلك فسوف تنتهي فرصته في هذا العصر زمن الحياة الدنيا، ولكن لن ينتهي وجود عصر أو دهر أو زمن آخر لهذا الإنسان بانتهاء وجوديته في هذه الأرض، بل على العكس سوف تستمر وجوديته ويبعثه الله تعالى ويُعيد خلقه من جديد في عصر أو دهر أو زمن آخر في الآخرة وهو هذا "العصر" الّذي أقسم الله عز وجل بوجوديته في آية (1) لكي يُحاسبه على أعماله الّتي قام بها عندما كان يعيش في عصر وزمن الحياة الدنيا في هذه الأرض.

هذا يعني أنَّ الله عز وجل أقسم في آية (1) بالعصر لكي يُعلمنا أنه سوف يأتي يوم وينتهي هذا العصر الّذي ولد فيه الإنسان وعاش فيه بشرِّهِ وخيرِه، ولكن بالمقابل سوف يأتي عصرٌ آخر جديد يبعث جميع الناس فيه من أول الخلق إلى آخره، وسوف يُعطيهم الوجودية أي عصر ودهر وزمن يعيشون فيه، تمامًا كما خلقهم أوَّل مرّةٍ وأعطاهم الوجودية في عصر ودهر، زمن الحياة الدنيا في هذه الأرض.

 

2. متى يُصبح الإنسان "فِى خُسۡرٍ"؟ بالتأكيد في الآخرة عندما سوف يبعثه الله سبحانه وتعالى ويُعيد خلقه من جديد ويُحاسبه على أعماله ويحعله يعيش في أرض وعصر وزمن الخلود في جهنم. وكأنَّ الله عز وجل يُقسِمُ في آية (1 و2) بوجودية عصر جديد في أرض فيها عذاب، تأكيدًا منه أنه سوف يخلق الإنسان في هذا العصر الجديد في الآخرة، عصر وزمن جهنم. أي تأكيدًا منه بأنه سوف يوجِد الإنسان في الآخرة وسوف يُعذِّبه في جهنم، ولذلك قال تعالى في آية (1 و2): "وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ". فكما خلق تعالى عصر أو زمن أو دهر أو يوم أو ليل ونهار وأوجد فيه الحيواة الدنيا، يستطيع سُبحانه أن يُعيد خلق عصر أو زمن أو دهر أو يوم أو ليل ونهار جديد من أجل أن يُحاسب الإنسان على أعماله الّتي قام بها سابقًا في هذه الأرض. وإنَّ قول الله تعالى في آية (1 و2)  "وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ" هو تأكيد منه للإنسان الظالم والفاسد على أنه سوف يبعثه ويُحاسبه على أعماله في عصر أو دهر أو زمن جديد آخر في الآخرة وسوف يعيش هذا الإنسان فيه "فِى خُسۡرٍ"، لأنه سوف يعيش في عصر أرض جهنم ودهر الخلود إلى أبد الآبدين. باستثناء الإنسان الصالح، فلن يكون "فِى خُسۡرٍ" في الآخرة ولن يعيش في عصر أو زمن فيه عذاب، بل سوف يكون في عصر الرحمة في أرض السلام الجنة. لذلك ختم تعالى سورة العصر بقوله في آية (3): "إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ".

 

3. إثباتات على معنى العصر من خلال مقارنة آيات سورة العصر بآيات في سُور أخرى:

1) الإثبات الأول، مقارنة بين آيات سورة العصر وبعض آيات من سورة الإنسان:

سُوۡرَةُ العَصر
وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

سورة الانسان
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴿١﴾ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٢﴾ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴿٣﴾.

إذا ربطنا آية (1 و2) من سورة العصر بآية (1، 2 و3) من سورة الإنسان، نجد تشابهًا بينها يدلنا على أنَّ العصر هو الدهر وهو الزمن الّذي خلق الله عز وجل وأوجد فيه الإنسان من نطفة أمشاج وابتلاه فيه بسمعه وبصره بهدف أن يختار الطريق الصحيح، وأعطاه فيه الحرية والخيار إمّا بالشكر وإمّا بالكفر، أي إمّا بالخير وإمّا بالشّر.

"ٱلۡعَصۡرِ" = "الدَّهْرِ" = "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ" = وجودية خلق الإنسان هي من وجودية العصر والدهر = لا يوجد الإنسان من دون وجود العصر والدهر "ولا يكون هذا الإنسان شيئًا مذكورًا". 

"إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ" = "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ" = لقد ذكر الله عز وجل الإنسان في كلا السورتين.

 

2) الإثبات الثاني، مقارنة بين آيات سورة العصر وبعض آيات من سورة الأنعام، الأعراف ويونس:

سُوۡرَةُ العَصر
وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

سورة الأنعام
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴿٣١﴾ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٣٢﴾.

سورة الأعراف
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٥٣﴾.

سورة يونس
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿٤٥﴾.

إذا ربطنا آية (2) من سورة العصر بآية (31) من سورة الأنعام وبآية (53) من سورة الأعراف وبآية (45) من سورة يونس، نجد تشابهًا بينها يدُلنا على أنَّ الإنسان سوف يكون "في خُسْرْ" حين يبعثه الله ويُحاسبه على أعماله في الآخرة، مِمّا يؤكد لنا أنَّ العصر هو زمن البعث أو العذاب الّذي سوف يخلقه الله تعالى للإنسان في الآخرة.

"إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ" = "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا..." = "يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ... قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" = "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ... قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ".

 

4. في الختام:

أدعو الله تبارك وتعالى لي ولكم بأن لا نُصبح في عصرٍ فِيه خُسۡر، وأن نكون من ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ.

 

والسلام عليكم

36 ِAug 29, 2016